المختار العيرج ـ الرشيدية
جاءت الاتفاقيات الفرنسية المغربية لعامي 1901 و 1902 لتحدد المبهم في معاهدة للا مغنية التي شابها تعميم مقصود و لبس متعمد، و أبرمت بعد 56 و 57 سنة من توقيع معاهدة للا مغنية (1845)، و على بعد سنة فقط من احتلال فجيج (1903) و ست من غزو بودنيب و ثغور عديدة من بلاد المغرب، فما الغايات من عقد اجتماعات لابرام اتفاقيات ترسم خط الحدود إذا كانت النية هي الاحتلال و خرق ما تم الاتفاق عليه في الليلة السابقة؟
جاءت اتفاقيات 1901 و 1902 مجحفة في حق السكان، و تضمنت بعض بنودها خرقا سافرا للميثاق العالمي لحقوق الانسان، و تعد وصمة عار في جبين فرنسا التي تتغنى بالقيم المثلى للثورة الفرنسية، كما أنها لا تصلح بأي شكل من الأشكال لدول تحررت من ربقة الاستعمار، كوثائق معتمدة تؤسس عليها العلاقات بعد الاستقلال.
فعلى سبيل المثال فإن المادة 5 التي حددت وضعية سكان مناطق الحدود الموجودة بين خطوط مراكز الدولتين المحددتين في البند السابق ستسوى بالطريقة التالية:
فيما يخص أفراد قبيلة دوي منيع و أولاد جرير، فإن الحكومتين ستعينان مندوبين سيتوجهون إليهم و يتركون لهم اختيار إحدى الحكومتين التي يرغبون في أن يخضعوا لسلطاتها . فالذين سيختارون السلطة الفرنسية سيحتفظ بهم في مساكنهم، و الذين سيختارون السلطة المغربية سيرحلون من هذا التراب إلى المكان الذي ستعينه لهم الحكومة المغربية داخل امبراطوريتها، و سيكون لهم الحق في الحفاظ على ممتلكاتهم و يمكنهم تعيين من يديرها أو يبيعونها لمن يريدون .
و بالفعل و منذ ذلك التاريخ، رحل من رحل، و بقي من بقي، و صارت للسكان جنسيتان، فالمغرب بعد استقلاله وضع للسكان صرحا اداريا هو قيادة دوي منيع، بدأت بأرفود ثم رحلت إلى بودنيب و منها إلى عين الشواطر باقليم فجيج حيث مازالت إلى اليوم، و احتفظت الجزائر بقسم آخر ما دامت ولاية بشار صارت تحت نفوذها بعد خروج فرنسا سنة 1962.
الغريب في الأمر أن السكان الذين اختاروا المغرب ظلت علاقتهم في فترة الاستعمار مستمرة بموطنهم، يتنقلون بدون حسيب و لا رقيب، لكن بعد الاستقلال ستنصب الحدود بطريقة فجة، عنيفة و مكلفة، و سيتم خرق كل بنود اتفاقيات 1901 و 1902، و سيحرم السكان من ممتلكاتهم كليا، بل إن بومدين و أثناء اعتماده للثورة الزراعية في إطار توجهه الشيوعي، سيؤمم الممتلكات و يوزعها على فلاحين من الهضاب العليا و على الأخص من منطقة سعيدة، و يمكن جزء منها للمقيمين من دوي منيع و يحرم المغاربة منهم.
في المغرب كانت للسكان الذين اختاروا المغرب عدة لقاءات مع ملوك المغرب، فاجتمعوا بالملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه و كانت لهم لقاءات متعددة بالمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، كانوا يطرحون مشاكلهم و مشاغلهم و يستمعون للتوجيهات الملكية السامية، كما كان عمال و ولاة الرشيدية و فجيج في حوار دوري مع السكان و هو ما انقطع منذ عقود، لذا فإن دوي منيع المغاربة يتطلعون في هذا الظرف الدقيق إلى لقاء جلالة الملك محمد السادس و يلتمسون من جلالته إعطاء تعليماته لسلطات الرشيدية و فجيج لفتح قنوات التواصل مع هؤلاء المواطنين للنظر في الكثير من قضاياهم و انشغالاتهم.
