العربي شريعي يكتب.. الفلاحة المغربية بين الواقع والأفاق
العربي شريعي
اختار المغرب ضمان أمنه الغذائي، على غرار معظم الدول، وبسبب اعتماده لهذه الاستراتيجية، لم يعرف المغرب أي أزمة تموينية وذلك لأنه يدير أمنه الغذائي بنجاعة وفعالية عكس بعض الدول الأوروبية التي شهدت أزمة على صعيد التموين، وهي نقطة إيجابية تحسب لفائدة القطاع الخاص.
تحولات عميقة وجذرية يعرفها الوضع الفلاحي المغربي الراهن منذ بداية أزمة كورونا وبداية الحرب الروسية الأوكرانية بكل ما للمعنى من أبعاد وتأثيرات على المملكة، لما ستعرفه هذا الأخيرة من تطورات، خصوصا في الميدان الفلاحي حسب قدرة الحكومة المغربية على التفاعل مع المتغيرات والمستجدات.
رسالة قوية لكل الفاعلين للتعامل مع الظرفية الحالية بكل حذر واتخاذ القرارات الصحيحة غير الارتجالية والترقيعية لحماية الفلاحة وضمان العيش الكريم والحماية الاجتماعية للمواطن المغربي.
وهنا وجب على الدولة التدخل بشكل استعجالي، في إطار حماية الفلاحة المغربية، عبر ضبط عقليات الأهواء السلبية وكبح المضاربات العقارية، وتنظيم العمران بالمجالات، وحماية الأراضي الفلاحية ومضاعفة أعدادها مع اعتماد المنتجة المقتصدة في استهلاك المياه والمتلائمة مع المجالات المناخية، وذلك باستعجال تعميم دعم السقي بالتنقيط وتطوير منظوماته، وتشجيع محفز لاستعمال الطاقات البديلة المتجددة بالعوالم القروية مع دوام المواكبة والتأطير العلمي والتقني والتدبيري للفلاحة في شمولية منظوماتها كقاطرة قوية للتنمية المستدامة المحققة للاستقرار وبناء الثروات محليا.
اليوم، وليس غدا، نحن في حاجة إلى إعادة النظر في السياسات المعتمدة في ما يعرف بالمخطط الأخضر في علاقته بالفلاحين الصغار والمتوسطين بالمدارات الحضرية والمحيطين بها، وما يطلق عليه المجال السقوي، وكذلك بالمناطق القروية وفقا لمناخها وطبيعتها باعتماد إدخال منتوجات فلاحية مفيدة في الاستهلاك المعيشي في مجالات التغذية والأعلاف والمراعي لتحقيق اكتفاء ذاتي، ولم لا فائض يسوق لمناطق المغرب والعالم، ووضع تحيينات وتحديثات إيجابية مرنة على المنظومة القانونية للتعاونيات، وأن توفر لها الآليات والمعدات الفلاحية الملائمة للمنطقة والفلاحة المعتمدة، وتشجيع علمي لتربية الأبقار والماعز الحلوب.
يتيه اليوم المواطن في منهجية حكومية تخلق طبقية أفلاطونية ترعب المواطن عموما والفلاح خصوصا، بل إن مفاهيم جديدة مواكبة تجسدها حمولة الخطاب القائم على الخوف، لعل سقف الوعود يصطدم اليوم واقعيا بعدم القدرة على الاستمرار في تخليق الحياة العامة من خلال الملتزم به سابقا من مواثيق للتغيير وحسن التدبير، علما أن المناخ الجديد المصاحب للحكومة الحالية قد أفسح هوامش كبيرة وعميقة كان من المفروض حسن استغلالها تدبيريا بنضج كاف بدل التيه عمليا في معارك بيزنطية مؤسسة على نظرية الأزمة العالمية أو السياق العالمي، لأن ذلك يساهم بشكل أكبر في إشاعة جو من عدم الثقة لدى فئات واسعة من المجتمع المغربي للاستمرار في خلق إمكانات الاصلاح والتجديد وإعادة البناء وهو ما يمكن أن يحدث انهيارا للقيمة الاجتماعية.
الفلاحة التي لا تغذي شعبها، لا يمكن أن نسميها فلاحة، بل يصطلح على تسميتها تجارة في ظل ما آل إليه القطاع هو نتيجة للسياسات العمومية التي اتبعها المغرب منذ الاستقلال، ففي مرحلة معينة كانت هناك سياسات فلاحية مدعمة من طرف الدولة تنادي بتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبعدها دخلنا إلى مفهوم الأمن الغذائي، وهو المفهوم الذي لم يبقى له أي أثر منذ 2008 تاريخ إطلاق مخطط المغرب الأخضر، قبل أن نعود للحديث مرة أخرى عن السيادة الغذائية.
هذا الخيار هو تطوير الزراعة المعيشية التي تحشد القوى الحية لفلاحينا المهرة ومهاراتهم الإبداعية التي راكموها عبر تاريخ طويل، ومن شأن هذا الخيار (أو التوجه) أن يضمن أمننا الغذائي ويوفر لبلادنا حياة أفضل من خلال الحد من الفقر وتحسين الظروف المعيشية في وسطنا القروي.
ومن نافلة القول، ـن مثل هذا الاختيار له بالضرورة متطلبات تفرض تحديد سياسة للتنمية القروية تقوم على الإدماج والتعبئة الشعبية، بالاعتماد على الدراية الفنية التي اكتسبها الفلاح المغربي على مر السنين، يتمتع هذا النموذج بميزة ضمان فلاحة مستدامة تستهلك القليل من المدخلات واقتصادية في الموارد المائية، بمعنى نموذج يضمن توازنا أفضل بين الإنسان والطبيعة، والمزيد من العدالة الاجتماعية، ويخلق فرص الشغل والقيمة المضافة، دون إغفال آثاره المتعددة على صحة المواطنين.
|
|
رابط مختصر
شاهد أيضا :
لاتفوتك :
القائمة البريدية
إشترك بالقائمة البريدية للتواصل بجديد الصحيفة بإيميلكم
استطلاعات الرأي
-
هل انت مع تشكيل حكومة من حزب الأحرار والاستقلال والأصالة والمعاصرة فقط أم مع توسيعها؟
التعاليق