ابراهيم أكراف يكتب.. من الترحال السياسي إلى الترحال المدرسي
ابراهيم اكراف
لاحظنا خلال العقد الأخير ظاهرة الترحال السياسي؛ حيث شهدنا تنقلات جماعية وفردية من حزب إلى آخر، لدوافع معلومة، ليس هنا موطن التفصيل فيها، فجوبهت الظاهرة بقانون لمحاربتها. وبالموازاة مع هذا الترحال، ينشط ترحال آخر لم تعبأ به الدولة رغم أنه أكثر خطورة من الترحال السالف ذكره، وعواقبه وخيمة على البلاد والعباد، إنه الترحال المدرسي؛ انتقال المتعلمين زرافات ووحدانا صوب مؤسسة معينة أو صوب إقليم معين؛ حالة المترشحين الأحرار مثلا.
كلنا عشنا زمن كرونا، الذي يعد لحظة مفصلية في تاريخ الدول التائهة في طريق النمو، والدول المتقدمة؛ حيث ظهرت أهمية العلم، وتحصينه من كل الآفات، واعتلت منصات الفايسبوك الدعوات للاعتناء بالبحث العلمي، وبلغ ذلك أوجه بظهور نخبة مغربية مهاجرة ضمن طواقم طبية وعلمية.
إننا كما أسلفت أمام لحظة مفصلية بين البقاء في النسق القديم أو التأسيس لنسق جديد، قوامه البحث العلمي، وبناء العنصر البشري والاعتناء به، وهنا مربط الفرس؛ إذ كيف يعقل أن ننشد بحثا علميا في منظومة مبنية على الأرقام، أما الجوهر فلا يهم، وهذه الآفة فرخت لنا بالتعليم المغربي آفات أخرى على رأسها الترحال المدرسي؛ سواء بين الثانويات أم الأقاليم؛ إذ بات الالتحاق بمؤسسة معينة أو إقليم ما خاتما للحصول على شهادة البكالوريا، وهذا أمر يسيء للمنظومة التربوية ولكل الراعين لهذا الانحطاط، الذي بلغ حد الانتقائية في الروافد أو الاتصال بأولياء الأمور من لدن مديرين قصد جلب أبنائهم لمؤسساتهم، يستفاد مما ذكر أن الترحال المدرسي يتم وفق عاملين؛ العامل الأول مرتبط بالذات، فكثير من المتعلمين ترحلوا لأنهم سمعوا أن المؤسسة الفلانية تضمن لهم النجاح، والأمر نفسه يقال عن الأقاليم، العامل الثاني، مرتبط بمديري المؤسسات، وقد أشرنا لطريقة اشتغالهم، التي تترواح بين إغراء أولياء الأمور، والتواطؤ مع القائمين على الخريطة المدرسية.
هذا الترحال يكشف عن أمور تضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، وتحويلهم إلى أرقام للمضاربة بين بعض المديرين؛ وابتغاء الشهرة والحظوة؛ نذكر منها التباين الذي يصل حد العشرات بين معدل المتعلم في المؤسسة "أ" والمؤسسة "ب" وهو أمر يطرح إشكالا أخلاقيا، يتحمله المدرسون، وقانونيا يتحملونه أيضا؛ فمن المقبول مثلا أن يصل الاختلاف في التقويم إلى أربع نقط على أقصى تقدير، ولكن أن يبلغ العشرات، فثمة مشكل ما، ينبغي معالجته وإلا فإن هذه التباينات تشجيع للترحال المدرسي، وتخريب ما بقي من الأمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في منظومة تعاني على أصعدة شتى، وفيها ظلم لآخرين يتجشمون عناء المراجعة والتحصيل، وإذا كانت مؤسسات ما تمتلك خطة للارتقاء بمستوى المتعلمين، في ظرف وجيز، بمعنى من معدل 06 إلى 16 فما فوق، فإن هاته المدارس نموذجية، وينبغي أن تستفيد المدارس الأخرى من تجربتها، فتعقد لذلك ندوات، وتكوينات، وتأليفات.
إذا كان البرلماني يترحل بين الأحزاب، لغاية تحصيل الامتيازات، وعلى رأسها ربح مقعد، فإن الترحال المدرسي لا يختلف عنه كثيرا، كما مر معنا في الأسطر السابقة، فغاية كل متعلم النجاح، وهي غاية أساتذته أيضا، ولكن بطريقة مشرفة، لذا وجب على القائمين على المنظومة البحث عن سبل لإيقاف هذه الظاهرة التي لها انعكاس وخيم على بناء الإنسان، وذلك بالحد من التراشق في المعدلات، بالحرص على معالجة التباينات الواضحة، إن لم أقل المفضوحة، بين الامتحانات الإشهادية وامتحانات المراقبة المستمرة، وبين امتحانات المراقبة المستمرة نفسها، وعلى التطبيق الصارم للمقرر الوزاري المنظم لامتحانات البكالوريا دون انتقائية.
|
|
رابط مختصر
شاهد أيضا :
لاتفوتك :
القائمة البريدية
إشترك بالقائمة البريدية للتواصل بجديد الصحيفة بإيميلكم
استطلاعات الرأي
-
هل أنت مع إعادة تطبيق الحجر الصحي الشامل بالمغرب للحد من انتشار فيروس كورونا؟
التعاليق